الدعوة إلى توحيد الله بالعبادة، ومحاربة الشرك بأنواعه، ولهذا الغرض أرسلت الرسل إلى أقوامهم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ الأنبياء: 25، وكذلك الدعوة إلى توحيد الله في ربوبيته وفي أسمائه وصفاته: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ الشورى: 11.
ومن أبرز صفات المنهج السلفي:
العمل بالكتاب والسنة امتثالاً لأمر الله: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ الأحزاب: 36.
فهم يسلمون لنصوص الشرع وافقت أهواءهم أو خالفتها، أدركتها عقولهم القاصرة أو لم تدركها: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ﴾ آل عمران: 7.
ولا يعارضون نصوص الوحيَيْن بآراء الرجال ولو كان القائل من خيار الأمة، بل لو كان القائل خير الأمة بعد رسولها؛ فعن ابن عباس قال: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم - أي حجَّ متمتعًا - فقال عروة بن الزبير: "نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ..."؛ فقال ابن عباس: "أراهم سيهلكون، أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: نهى أبو بكر وعمر!!"؛ رواه أحمد (3111) بإسناد حسن.
فالعصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون غيرهم.
هذا إذا خالف اجتهاد الصحابة الأثر، أما إذا لم يجدوا أثراً فيرون العمل بأقوال الصحابة في الجملة، لاسيما الخلفاء الأربعة لحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: ((مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))؛ رواه الترمذي (2676) وقال حديث حسن صحيح. فالصحابة أعلم الخلق بمراد الله ومراد رسوله.
من أبرز صفات المنهج السلفي:
أنهم لا يقبلون أوساط الحلول في ما يتعلق بالتوحيد والعقائد، ولا يسوغون الخلاف فيها فلا يداهنون في دين الله: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ القلم: 9
وبسبب ذلك أشتد عليهم خصومهم ورموهم بكل نقيصة، والصقوا بهم التهم التي تنفر الناس منهم وتحزَّبوا ضدَّهم على اختلاف توجُّهاتهم، كما تحزَّب أهل الكتاب والمنافقون والوثنيُّون على محمد وأصحابه، فلهم معهم جبهتان: جبهة القتال بالسِّنان، وجبهة الحرب الإعلامية، ولا زال الأمر إلى زمننا.
فلذا؛ مَن أراد أن يؤلِّب الناس على عدوِّه، أو أراد أن يغضُّوا الطَّرف عن جرائمه - وصف مخالفيه بأنهم سلفيون!!
أما ما يتعلق بالفروع:
فيعذر بعضهم بعضًا في اجتهاده المبني على الدليل، بعد استفراغ الجهد في طلب الحق، ولا يؤثر هذا في إخوَّتهم، فلذا الإمام أحمد - إمام أهل السنة والجماعة - تتلمذ على الإمام الشافعي، والإمام الشافعي تتلمذ على الإمام مالك، وكلُّهم إمامٌ له مذهبه الفقهي، فيختلفون في اجتهادهم في بعض الفروع الفقهية، ولم يؤثَّر هذا على أخوَّتهم وتحابِّهم في الله، وتعاونهم جميعًا على البرِّ والتقوى.
بل المنهج السلفي يدعو إلى التعاون مع الغير؛ حتى لو كان كافرًا! إذا كان في ذلك مصلحة محضة، أسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهم أعلم الناس بسنَّته.
فعن عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شهدت غلامًا مع عمومتي حلف الْمُطَيَّبِينَ، فما أحبُّ أن لي حمر النعم وأني أنكثه))؛ رواه الإمام أحمد (1679) ورواته ثقات، و(حلف المطيبين) كان قبل البعثة بمدة، وكان جمعٌ من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس ونحو ذلك من خصال الخير، واستمرَّ ذلك بعد المبعث؛ فسر النبي بشهود هذا الحلف وكان بين كفار، وأخبر بالتزامه بهذا الحلف مع الكفار؛ لأنه تضمَّن مصالح تدعو إليها الشريعة من غير مفاسد.
من أبرز صفاتهم:
أنهم يحاربون البدعة، ويتبرؤون من المبتدعة، سواء كانت بدعتهم في الاعتقاد أو في العمل؛ فدينهم نصوصٌ شرعية تلقّوها علمًا وعملاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ.. وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ: ((فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي))؛ رواه مسلم (
لمزيد من المعلومات:-
Comments